الوهم لدى الانسان )
يعتبر الوهم من الأمراض الروحانية، وهو ما يقع في الذهن من الخاطر، وتضخيم الواقعة إلى عدة أضعاف غير حقيقية، سواء أكانت الحالة، من الظن، أو التخيل، أو التمثل. والإنسان المصاب بمرض الوهم هو إنسان واهم. وينقسم الوهم إلى خمسة أقسام: وهي: وهم التخيل، وهم التنبؤ، وهم الإحساس، وهم المرض، وهم العظمة. والوهم هو توهم الشيء: ظنه وتمثله وتخيله، كان في الوجود أو لم يكن. يقول الله تعالى: {وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا (28)} سورة "النجم". وصاحب هذا النوع من المرض يعيش معذبا في ليله ونهاره، ففي نهاره يكثر انتقاده واتهامه بالكذب، وحساسيته المغرقة في أطلال الوهم التي توحي له دائما بأنه إنسان منبوذ، أو ليله الذي لا يخلو من القلق والأرق وقلة الراحة، والمنامات المزعجة والكوابيس.
القسم الأول: فهو "وهم التخيل"، وهو انه يخيل إليه أو شبه له وهو غير صحيح، وهذا النوع من الوهم يجمع المرض بالوهم، والتعرض للسحر لان السحر فيه التخيل، أي تخيله يتحرك وهو لم يتحرك. كما ذكر في قوله تعالى: {قالوا يا موسى اما ان تلقي واما ان نكون أول من القى (65) قال بل القوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى (66)} سورة "طه"، بينت هذه الآية الكريمة التخيل الذي ينتج عن السحر. وسنبين الآن التخيل الناتج عن الوهم والذي أسميناه "وهم التخيل"، فالإنسان المريض بهذا النوع من المرض سواء أكان المريض ذكرا أم أنثى، يتخيل دائما أن هناك أشخاصا موجودين حوله، وان هناك من يمشي وراءه، وان هناك من يتكلم معه، وان هناك من يخدمه، وانه يوحى إليه، وانه صاحب شأن، وانه يحكم ملوك الأيام السبعة، وان فلانا يحبه، وان فلانة تكرهه، وان فلانة تكيد له بالسحر، ويتخيل أن فلانا قد نظر له بعين الحسد، وان فلانا لا يحب له الخير، وهذا كله من الوهم، فماذا لو وجد سوء الظن "والوسواس الخناس" مع هذا النوع من الوهم، انا اعرف انه نوع من الكوارث الاجتماعية. وأما أعراض وهم التخيل فهي: الصداع في الرأس، التوتر، المنامات المزعجة والكوابيس، الشك، الوسوسة، اتهام الآخرين بالخيانة، عدم الثقة بالنفس وبالآخرين.
القسم الثاني: "وهم التنبؤ"، وهو منحصر على من يرى في نفسه عالما للغيب، سواء أكان من الفتاحين، أو العرافين، أو الفلكيين، أو المشعوذين، أو ضاربي الرمل، أو قارئي الفناجين، أو قارئي الكف، أو من يقرع المنديل، أو كل من ادعى انه يعلم الغيب سواء بعلم الفلك، أو الحساب وهو الجمع والطرح في الأرقام لكشف الغالب والمغلوب سلفا، أو توقع البرج الفلكي أو الروحاني، ومن باب التأكيد في هذه الأيام المظلمة فلا يوجد علم بالغيب على الأرض ظاهري أو باطني وكل من يدعي علم الغيب فهو كاذب مخادع مضر بالناس مشرك بالله، يقول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27) ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم واحصى كل شىء عددا (28)} سورة "الجن" علينا أن نكون حذرين من مصائد شياطين الجن والإنس لعنهم الله.
القسم الثالث: فهو وهم الإحساس، وهو مرض روحاني ويشكل لدى بعض الناس مفخرة، ولو عرفوا ما هو لما افتخروا به. ويسمى هذا المرض عند بعض الناس، الحاسة السادسة، أو قوة الحدث، أو قوة الفراسة، أو الإلهام، أو الإيحاء. وأعراضه إحساس الإنسان بأن شيئا سيحدث، أو إحساس الإنسان أن حربا ستقوم، أو إحساسه بأن الطفل سيقع، أو إحساسه أن فلانا سيأتي، أو إحساسه أن هناك حرائق يشعلها البعض، أو الإحساس بأن فلانا سيموت، أو الإحساس أن فلانا عنده مرض خطير، أو إحساس فلان بأن تجارته خاسرة، أو إحساس فلان بأن له قصور في الهواء، أو إحساس فلان بأن هناك ضيقا، أو إحساس فلان بان هناك طاقة فرج والى ما شابه ذلك. وهذه الأحاسيس إن كانت صحيحة أو غير صحيحة فهي تسبب للإنسان المتاعب والتوتر. وعليكم أن تعلموا أن هذا نزغ وهمز من الشيطان يقول الله تعالى: {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم (36)} سورة "فصلت".
القسم الرابع: فهو وهم المرض، وهذا النوع من المرض يصيب الكثير من الناس الذين يتعرضون إلى أمراض عضوية، منها الأمراض الخبيثة، أو السكري، أو فقدان المناعة، أو ارتفاع في ضغط الدم، مثال لتبيين ذلك: إن رجل مصاب بالمرض الخبيث في الرئة، ولما ذهب به أبناؤه إلى الطبيب وعرفوا بوجود هذا المرض، طلبوا من الطبيب عدم إخبار أبيهم بذلك، وقالوا له والطبيب: انه يوجد عندك مرض الأزمة المزمنة في صدرك، وعاش بعدها عشرة أعوام وشكله وجسمه كما هما، وهذه حكمة من أولاد ابعدوا وهم المرض عن أبيهم. ورجل آخر مصاب بنفس المرض، ولكنهم قالوا له ما هي علته فانهارت أعصابه وبعد خمسة أيام اختلف شكله وضعف جسمه، وهذا النوع من الناس يكون قد أصيب بالمرض المذكور وهو "وهم المرض" نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية.
القسم الخامس: فهو وهم العظمة، وهذا النوع من المرض مرتبط بتزيين الشيطان لأعمال المفسدين في الأرض، حتى يصل احد المفسدين إلى قناعة بأنه لو شتم الدين أو الرب سيدخل الجنة قبل الملتزمين، وهذه المهزلة تصيب الكثير من الناس الذين يدعون الإيمان بالله وباليوم الآخر. وصاحب مرض العظمة على قناعة بأنه في الدنيا أفضل الموجود، وأعظم المقصود، ويرى في موته انه عن الدنيا ابرز مفقود، ويخيل إليه الشيطان أن قبره مضيء، وعاقبته حسنة، وهو من المتقين، ولكن حقيقة هذا المفسد، ستبين له في أول سكرات موته، حين يبدأ الحجاب بالانكشاف، انه في الدنيا، لا أفضل موجود، ولا أعظم مقصود، وسيرى في موته انه في الدنيا، في الدرك الأسفل بمزبلة التاريخ، وسيعرف أن ونسه في قبره عمله القبيح، وكبرياءه هو الذي رده أسفل السافلين والعياذ بالله. يقول الله تعالى: {واما ان كان من أصحاب اليمين (90) فسلام لك من أصحاب اليمين (91) وأما إن كان من المكذبين الضالين (92) فنزل من حميم (93) وتصلية جحيم (94) إن هذا لهو حق اليقين (95) فسبح باسم ربك العظيم (96)} سورة "الواقعة"، سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله اكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
-=-==-=--==-=-=-=--=-=-=-==-=--==-=-=-=--=-==--=-==-=-=--==-=-
( الخوف)
الخــوف
أخي القارئ، يعتبر الخوف من الأمراض الفتاكة ذات العواقب الوخيمة، وهو من الأسباب الرئيسية للكثير من الأمراض العضوية والنفسية والروحانية. والخوف هو مرض روحاني بحت ولكنه مسبب لأمراض عضوية ونفسية أيضا. وللخوف أشكال ثلاثة:
الأول: الخوف المستحب.
الثاني: خوف ردة الفعل وهو الناتج عن شيء مخيف.
الثالث: الخوف المرض.
أما بالنسبة للخوف المستحب فهو قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) } سورة "آل عمران". نفهم من ذلك أن الخوف المستحب هو خوف المؤمن من ربه. أما بالنسبة لخوف ردة الفعل فهو على النحو التالي: الخوف الناتج عن ردات الفعل قد يكون مبررا ولكنه يسبب لصاحبه الكثير من الأذى المباشر وغير المباشر. واذى هذا الخوف إما أن يكون في حينه، وإما أن يكون على المدى القريب، وإما أن يكون على المدى البعيد. وعلى الإنسان أن لا يستهين بالخوف الذي يكون ناتجا عن ردات فعل المزاح أو ما شابه ذلك، أما بالنسبة للخوف المرض فهو على النحو التالي: يعتبر "الخوف المرض" من الأمراض الفتاكة، وهو في داخل الإنسان المريض، ويرافقه طوال الوقت، وهذا المرض سبب مباشر للكثير من الأمراض العضوية، مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وكسل الغدد، والتسارع في نبضات القلب. كما انه يسبب الكثير من الأمراض النفسية ومنها: التوتر، القلق، الهلوسة، انفصام الشخصية، الانطوائية، عدم الثقة بالنفس، التردد، الرعاش العصبي. كما انه يسبب الكثير من الأمراض الروحانية، مثل: المس الشيطاني، التخيل، الكوابيس في المنام، الأرق والاكتئاب، الوسواس، الوهم، العقم الروحاني. وينقسم "الخوف المرض" إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: نوبات الذعر وهي من النوبات التي تصيب الإنسان فجأة.
القسم الثاني: الرعب الداخلي وهو التوتر الناتج عن الخوف من المجهول.
القسم الثالث: الخوف الشديد من المواجهة والمنازلة.
القسم الرابع: الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل.
القسم الخامس: الخوف من الحالة الصحية ومن الموت. أما بالنسبة لأعراض نوبات الذعر فهي على النحو التالي: فقدان الوعي، فقدان الذاكرة، الرجفة العصبية، هبوط القلب، عدم انتظام نبضات القلب، كسل في العضلة المنبسطة، كسل في العضلة المنقبضة، الإحساس بثقل على الصدر مرافق لضيق التنفس، الهزال في الجسم، وتكون الأحوال لدى المريض بنوبات الذعر شبيهة بالأحوال التي تكون لدى المريض بنوبات الصرع. أما بالنسبة لأعراض الرعب الداخلي فهي على النحو التالي: آلام متنقلة لا أساس علميا لها، الأرق والاكتئاب، الشعور بالضعف المفرط، انعدام الشخصية، الإحساس بالانهزامية على مدار الساعة، التوتر الدائم، فقدان الثقة بالنفس، فقدان الثقة بالآخرين، الانفصام بالشخصية، التردد والخوف من اتخاذ أي قرار، الأحلام المزعجة والكوابيس، كثرة الانهيارات النفسية والعصبية، الضعف الجنسي.
أما بالنسبة لأعراض الخوف الشديد في المواجهة والمنازلة فهي كثيرة، تظهر في المواقف التي تجلب المشاكل أو سوء التفاهم، الانهيار العصبي والشعور بالانهزام عند المنازلة أو الاشتباك بالأيدي، التعامل الصلب مع الأبناء والإخوة الصغار تخوفا من احتكاكهم بالآخرين، ويعتبر صلابته مع أبنائه وإخوته الصغار إجراء احترازيا من أمر غير موجود إلا داخل قلبه الضعيف وخوفه الشديد من الآخرين. أما بالنسبة للخوف من الماضي والحاضر والمستقبل فهو على النحو التالي: فبالنسبة للخوف من الماضي، فهو أن يتعرض إنسان لحادث أو موقف ترك في داخل هذا الإنسان شيئا من الرعب لم ينسه حتى أصبح هذا الموقف يشكل عقدة نفسية لهذا الشخص، وأصبحت هذه العقدة مصيبة الماضي، وقلق الحاضر، وفشل المستقبل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أما بالنسبة للخوف من الحاضر فيكون الإنسان مهزوزا ضعيفا يخاف من ما لا يخيف الأطفال، كالخوف من أن يكون وحده، أو الخوف من الجلوس في المكان المعتم، أو الخوف من الخروج في الليل، أو الخوف من إنقاذ إنسان مخطر، أو الخوف من أن يغيث ملهوفا، أو الخوف من تناول الطعام عند الآخرين، وبالمعنى المختصر الخوف من كل شيء. وأما بالنسبة للخوف من المستقبل فهو أن يرهق إنسان نفسه خوفا من المستقبل، من سينفق عليه إذا كبر، من سيدفنني إذا مت، من سينفعني إذا مرضت، يتهم أولاده بالعقوق من مجرد خوفه من أن يتخلوا عنه في كبره، من سيرعى بناتي بعد موتي، حتى يصل به خوفه إلى الوهم الفظيع الذي يقنعه بأن مستقبله اسود. أما بالنسبة للخوف من الحالة الصحية ومن الموت، فهو على النحو التالي: نبدأ بالخوف من الحالة الصحية فيقضي الإنسان اغلب أوقاته عند الأطباء، وفي أروقة المشافي، ليطمئن على حالته الصحية السليمة، وتصل به الأمور لدرجة انه إذا سمع أن فلانا مريضا بالمرض الفلاني، أعلنها طوارئ وذهب إلى الطبيب ليتأكد أن هذا المرض عنده أم لا، وحتى إذا سمع إنسانا يقول: إن رأسي يؤلمني يبدأ بسبب خوفه يشعر بأن رأسه يؤلمه، وإذا رأى قرصة بعوضة أو "فسفوسة" بدأ يقول هذه بداية أورام والى آخره.
وأما بالنسبة للخوف من الموت فهو أن الإنسان لا يأتي على باله إلا الموت والخوف منه وكأن الله خلق الحياة ليخاف الإنسان من الموت. والأجدر أن يفكر الإنسان كيف يعمل ويخاف من قلة العمل الصالح، والعقيدة الصحيحة أن يعبد الإنسان ربه لأنه رب يعبد، لا خوفا من عقابه ولا خوفا من الموت ولا طمعا بجنانه، فأقول لأصحاب هذا النوع من المرض وهو "الخوف من الموت" إن الله كريم رحمن رحيم، فصدقوني إن كانت أعمالكم صالحة قد تكون أحلى أوقاتكم الظاهرية والباطنية هي لحظات الموت الذي تخافون منه.